بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خير المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإنّ هذا العنوان ينبئ بثلاثة محاور:
انتصار غزة
دروس لابد من الإشارة إليها
تنبيهات مهمات.
أولاً : انتصار غزة.
لا يرتاب منصف في أنّ المجاهدين في غزة انتصروا على عدوهم؛ ذلك لأن لليهود هدفين رئيسين:
الأول: القضاء على المجاهدين.
الثاني: القضاء على إطلاق الصواريخ.
ولم يتحقق شيء من ذلك، جملة من ارتقى إلى ربه من حركة المقاومة الإسلامية، وحركة الجهاد، وألوية الناصر، أقل من مائة من الشهداء. وعندما أعلن اليهود وقف إطلاق النار من جانب واحد في الليلة نفسها أطلق المجاهدون عدداً من الصواريخ، فلا جرم أنّ الله قد نصر جنده، وأخزى عدوه، ورده خائباً خاسئاً خاسراً، لم ينل خيراً.
ولهذا نجد بعض الكتاب اليهود في صحيفة المعرفة (معاريف)، وآخر الأخبار (يديعوت أحرنوت)، قد أقروا بهزيمة اليهود في هذه المعركة.
ثانياً: دروس الانتصار.
أولاً: صدق النبي صلى الله عليه وسلم.
كيف ذلك؟
ألم ينصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه لا سبيل للقضاء على المجاهدين؟ أما قال صلى الله عليه وسلم :«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ :«بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» [أحمد في المسند]؟
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً: لا يمكن القضاء على المجاهدين بأكناف بيت المقدس، هم باقون إلى قيام الساعة، وقال أولمرت قولاً، فمن منهما تحقَّق قوله؟
وكما تحقق هذا الحديث لابد أن يتحقق حديث آخر، لابد أن يخذل الله كل من لم ينصر هؤلاء المجاهدين، والله وبالله لابد لذلك أن يكون، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وسنن أبي داود :«مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا، فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ»، ودونكم الأيام لتثبت لكم ذلك!
ثانياً: أنّ الله يعطي على الصدق ما لا يعطي على غيره
لقد صدق المجاهدون ربهم، فصدقهم الله بأن أخزى عدوهم، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن تصدق الله يصدقك» [النسائي].
ثالثاً: ثمرة الإعداد للجهاد
والله قد أمر بذلك في القرآن الكريم، قال تعالى :{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
في فترة التهدئة التي استمرت لشهور قليلة لم يذق فيها المجاهدون طعم الراحة، عملوا ليل نهار، وأعدوا لمرحلة الحرب -التي كانت متوقعةً - العدة، فآتى العمل ثماره، وكان التوفيق حليفهم؛ لإعمالهم أمر ربهم.
والواجب أن يعد الإنسان ما يستطيعه، ويأخذ بالأسباب المتاحة له، فإذا انضاف إلى ذلك صدقه مع الله وحسن ظنه به كان النصر والتأييد.
ألا ترى أنّ الله تعالى أمر أيوب عليه السلام بقوله :{ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:42]، وما تغني ضربة صحيح قوي للأرض برجله فضلاً عن ضعيف سقيم؟ أليس الله بقادر على أن يقول كن فيكون؟بلى، ولكنه درس نتعلم منه أن نأخذ بالأسباب المتاحة، ونحسن الظن بالله، ولا يجتمعان في امرئ إلا وحلّ التوفيق في ساحته.
رابعاً: لا عزّ ولا كرامة إلا بالجهاد في سبيل الله
بماذا نال المجاهدون هذه العزة؟ كيف تحقق لهم النصر؟ بسلوكهم درب الجهاد في سبيل الله، وسبق أن ذكرت –أيها القارئ الكريم – في عدد من المقالات أنّ الله تعالى ما ذكر ظهور دينه إلا وذكر قبل ذلك وبعده الأمر بالجهاد في سبيله، لماذا؟ لأنه سبيل إعزاز الدين، ومن ابتغى ذلك بدونه فهو كمن يحرث البحر، أو يدخل جملاً في سم الخياط!
ومن أدلة ذلك :«إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» [أبو داود].
ومن الأدلة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يظهر على عدوه إلا بعد أن رفرفت عنده راية الجهاد بالسنان.
ومن الأدلة :«ما ترك قوم الجهاد إلا عمَّهم الله بالعذاب» [الطبراني في الأوسط].
خامساً: اليقين من أسباب النصر وإعزاز الدين
لقد استمعت إلى كلمة أبي العبد رئيس الوزراء وفقه الله وحفظه ورعاه، والحرب ما زالت مستعرة، ونارها موقدة، وهو يبشر بنصر الله بيقين وحسن ظن، علمت عنده أنّ الله لا يمكن أن يخذل أمثال هؤلاء، وهذا لعمري هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال قبيل بدر:«لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم»..
والذي بشر سراقة بسواري كسرى وهو مطارد في الهجرة..
وبشر بفتح الشام وفارس وهو محاصر في الأحزاب، والله عند حسن ظن عبده به.
سادساً: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً.
فمن أسباب النصر ما يسمى بلغة العصر بتوحيد الجبهة الداخلية، ومما أثلج صدورنا هذه الوحدة التي كانت بين المجاهدين، في حماس، وألوية الناصر، وحركة الجهاد، ولقد قاتل في خندقهم بعض الصادقين من حركة فتح.
وأريد أن أبوح لك أيها القارئ الكريم بأمر عجيب، لما أردت كتابة هذا الدرس حدثت نفسي وقلت: لابد أنّ أمر الله بالإعداد لإرهاب الأعداء متلو بآية تشير إلى الوحدة وتماسك الصف، فلما راجعت السورة وجدت بعد آية واحدة فقط : { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62-63]، وشهد الله أنها لم تخطر ببالي وأنا أحاول إيجادها؛ فإني لا أحفظ هذه السورة.
سابعاً: وما النصر إلا من عند الله
قال تعالى :{وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران : 126]، وقال :{ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10].
وقد ختم الله الآيتين بهذين الاسمين: العزيز، والحكيم، فالعزيز هو الذي لا يغالب، والحكيم في تدبيره، فإن النصر قد يتأخر، وقد يكون ثمنه باهظاً، قد تهدم البيوت، وتراق الدماء، ويكون الدمار، وكل ذلك لا يزيد المؤمن إلا إيماناً بأن الله حكيم في تدبير أمره.
ثامناً: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.
وكم من فئة لا تملك ما يملكها عدوها فنصرها الله.
صواريخ قال عنها بعض من في قلبه مرض (عبثية) ! في مقابلة أعتى أسلحة الدمار، فما أغنت عنهم أسلحتهم التي نصبوها لضرب الإسلام والمسلمين من شيء لما جاء أمر ربك وما زادتهم غير تتبيب!
هي صواريخ بدائية .. لكن الله بارك فيها، وفيمن صنعها، كما بارك في أرضها.
تاسعاً : لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله
من منا لم يشاهد وزيرهم وهو يختبئ وراء السيارة من صواريخ المجاهدين؟!
عاشراً: غسل الأيدي سبع مرات أولاهنّ بالتراب من نجاستين مغلظتين:
- من (بعض) حكام المسلمين.
- ومن مجلس الأمن، والأمم المتحدة، وهذا ما لا ينكره إلا مكابر.
وأما التنبيهات فثلاثةٌ:
الأول : لهذه الحرب خمس مراحل :
مرحلة الحصار..
وإطلاق النار..
والدمار ..
والرابعة التي يعيشها المجاهدون : الانتصار..
وبقيت مرحلة الإعمار.
ولابد من تعاون كبير مستمر لتحقيق ذلك.
لقد خلفت هذه الحرب أعداداً كبيرة من الأرامل والأيتام، ولابد من تضافر الجهود للقيام بواجبنا حيالهم.
الثاني: حسن أن يسعى المؤمنون للإصلاح بين قادة المجاهدين وحركة فتح، لكن ينبغي أن يُعلم أنّ الصلح الذي يرضاه الله ما كان قائما على مرضاته، وأما صلح التنازلات وإرضاء اليهود فلا بارك الله فيه ولا فيمن يسعى له، ولهذا قال تعالى :{ فمن عفا وأصلح} ، فالعفو الذي لا إصلاح معه ليس من خير في السعي فيه.
ثالثاً: لابد من الرجوع إلى كتاب الله تعالى، لابد من رجوعنا إلى ديننا، ولا يمكن لنا أن نسعد في هذه الحياة إلا بذلك.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول للفائدة.