سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، ثم أما بعد :ــ
فإننا نحمد الله تعالى على أن كشف الغمة عن إخواننا في غزة ، والحمد لله تعالى على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة ، والحمد لله تعالى على توفيقه ونصره للإسلام والمسلمين ، والحمد لله على السراء والضراء ، والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، والحمد لله على كل حال ، فإنني أبعث إلى إخواني في غزة باقات الورود المكللة بتاج العز والفخر والرفعة والفرح ، ولا أدري من أين أبدأ ، فإن الفرحة تغمر قلبي ، والكلمات تضطرب في فمي من فرحتها ونشوتها بهذا النصر الكبير ، فإنها لفرحة تاريخية أعادت للمسلمين الأمل ، وبعثت في قلوبهم الرجاء بالنصر القريب العاجل للأمة كلها على أعدائها ، أهلا أهلا بأهل غزة الأبطال الأشاوس ، أهلا أهلا بأسود الميدان ، وعباقرة الدهر ، أهلا أهلا بجنود الله الذين ما ركعوا ولا خضعوا ولا استسلموا ولا ذلوا ولا هانوا ، أهلا بأهل الصمود الذي ذل به الكافر ، وخضعت رقبته ، وانكسر جبروته ، أهلا بمن كسروا بني يهود على صخرة الجهاد والصمود ، أهلا بمن قمعوا أهل الشرك والكفر والزيغ والعناد ، أهلا بمن اعترفت بثباتهم ونصرهم كل البلاد ، مرحبا بتلك الوجوه التي استنارت بنور النصر ، ومرحبا بتلك الأيادي التي قهرت أهل الكفر ، مرحبا بمن أسكتوا الدنيا بثباتهم ، واعتز بهم أهل الإسلام ، رفع الله قدركم يا أهل غزة كما رفعتم قدرنا ، وأعزكم الله يا أهل غزة كما قويتم جانبنا ، نصرتم الله فنصركم الله ، واعتصمتم بالله فعصمكم الله من الناس ، لله دركم ، ما أقوى بأسكم ، وأشد عزائمكم ، لله دركم ، فلكم من اسم بلادكم أوفر النصيب ، فبلادكم غزة ، وأنت أهل الغزو والتدبير والقوة والنصرة والعزة ، أسلمكم الناس فما استوحشتم لأنكم بالله معتصمون ، وعليه متوكلون ، وبحبله المتين مستمسكون ، تخلى عنكم أكثر الخلق فما ارتاعت قلوبكم ولا بكت لذلك أعينكم لأنكم على الله معتمدون وبقربه مستأنسون ، فقد وجدتم الله تعالى ، ومن وجد الله فماذا فقد ؟ ومن فقد الله تعالى فماذا وجد ؟ لقد تبوأتم من القلوب منزلة عالية ، وسكنتم من أرواحنا في المحال السامية ، واجهتم الحرب الفاجرة بقلوب ثابتة ، فزبد سيلُ الكفر ، ولكن الزبد ذهب جفاء ولم يبق إلا ما ينفع الناس ، لأن ما ينفع الناس من طبعه أن يمكث في الأرض ، أبطال أنتم بشهادة الجميع ، وشجعان أنتم عند الموافق والمخالف ، وإني بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعا أحب أن أذكر نفسي وإخواني أهل غزة وعامة المسلمين ببعض الأمور :ــ
الأول :ــ ليعلم الجميع أن الفضل في هذا النصر إنما هو لله تعالى وحده لا شريك له ، فله الفضل كله وله النعمة كلها وله الحمد كله أوله وآخره وسره وعلانيته ، وظاهره وباطنه ، فعلى المسلمين جميعا أن يلهجوا بحمد الله تعالى وشكره على حسن عنايته بإخواننا ونصره لهم ، فلا بد من التنبيه على ذلك لأن البعض في غمرة النصر وفرحة قمع الكافر قد يغفل عن الشكر والحمد لله تعالى ، وقد قال تعالى " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " وقال تعالى " وما النصر إلى من عند الله " وقال تعالى " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تورها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين " فلا بد من حمد الله تعالى ، ولا بد من الإكثار من شكره ، حتى نبقى دائما وأبدا في نصر وعزة وتمكين .
الثاني :ــ أن المجاهدين لهم نصيب من الشكر بعد شكر الله تعالى ، على صبرهم وثباتهم وتضحيتهم ووقوفهم وقوف الرجال في الدفاع عن الحق وأهله ، فلا بد من مراسلتهم أو مهاتفتهم ، وحث عزائمهم على زيادة الثبات ، وشكرهم على ما قدموا ، وحثهم على الإخلاص والازدياد من العلم وتحصيل أسباب النصر الكامل ، فإن المسلم قوي بإخوانه ضعيف بنفسه .
الثالث :ــ أن هذه الفرحة لا بد أن نعبر عنها بكمال التعلق بالله تعالى بتحقيق المأمورات وامتثالها وترك المحرمات والتباعد عنها ، والتواضع للحق وللخلق ، فإن حقيقة النصر هي الانتصار على شهوات النفوس من التعالي والغطرسة ورؤية الذات ونسبة الخير والنعم إلى حول العبد وقوته ، بل لا تنسب النعم إلا إلى الله تعالى فهو خالقها ومقدرها والمتفضل بها ، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم فتح مكة وهو يوم النصر الأكبر والعز الأفخم ، دخل وقد طأطأ رأسه حتى إن لحيته تكاد تصل إلى ظهر راحلته تواضعا لربه جل وعلا واعترافا بأنه تعالى هو المتفضل والمنعم ، فالنعمة كلها له ، والعبد لا حول له ولا قوة إلا بربه جل وعلا ، هكذا يعظم العبد في ميزان ربه ، ويضاعف أجره ونصره وتمكينه في الأرض .
الرابع :ــ أنه لا بد من تذكير المسلمين بأن حقيقة النصر هو الثبات على المنهج والطريق المستقيم إلى الممات ، وأهل غزة ثبتوا على دينهم وعلى إيمانهم حتى أتاهم اليقين ، فمنهم من قضى نحبه على الإسلام والثبات والصمود والرفعة والحق ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا ، فليس النصر هو قتل العدو فقط ، لا ، بل النصر الحقيقي هو الثبات على المنهج ، وعلى دين الله تعالى حتى يأتيك اليقين ، ألا ترى أن الله تعالى قد قطع العهد نفسه تفضلا منه ومنة على أنه ناصر عباده المؤمنين من الأنبياء والأولياء ، فقال تعالى " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون " وقال تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " ومع ذلك فإن كثيرا من الأنبياء قد مات مقتولا ، كما قال تعالى عن الكفرة " وقلتهم الأنبياء بغير حق " فهل يا ترى أنهم لما قتلوا نبيه أن الله تعالى قد خذل أنبياءه وأسلمهم لعدوهم ؟ أعوذ بالله من هذا الظن ، بل إن من قُتِل من الأنبياء هو المنتصر في الحقيقة ، فإن قلت :ــ وكيف يكون منصورا وقد مات مقتولا ؟ فأقول :ــ لأنه ثبت على منهجه في إبلاغ رسالات ربه حتى أتاه اليقين ، فلم يمت على تقصير أو مخالفة ، بل ما مات إلا وهو مرفوع الرأس عند ربه بتكميل مراتب البلاغ ، فقد بلغ البلاغ المبين ، فهذا هو النصر الحقيقي ، بل المخذول من قتله ، فالمنصور هو المقتول لا القاتل ، هذا هو النصر في الأدلة الشرعية ، وأما ما يفهمه المحللون الذين لا علم عندهم بأدلة الشرع فلا عبرة بكلامهم وما يفهمونه أصلا ، فمن مات من أهل غزة على إيمانه ومنهجه فهو في ميزان الله تعالى هو المنصور ، والمخذول من قتله ، فلا تتركوا يا أهل الإسلام فرحة هذا النصر والغبطة به بكثرة من مات من أهل غزة ، لأن موتهم نصر من الله تعالى لهم وليس خذلانا لهم ــ حاشا وكلا ــ فنسأل الله تعالى أن يتقبلهم عنده شهداء ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، فالباقون نُصِروا باندحار الكافر وانكسار شوكته ، والأموات نصروا بموتهم على الإيمان والشهادة ، وكلا وعد الله الحسنى والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .
الخامس :ــ أنه لا بد على أهل غزة خاصة أن يأخذوا أهبة الاستعداد لعدوهم ، فإنه عدو مجرب في نقض العهود والإخلال بالمواثيق ، فاليهود هم أهل الغدر والخسة ، فلا كرامة عندهم ولا أيمان لهم ، فالحذر الحذر من غدرهم وخيانتهم ، فإنهم على شفا جرف هار من الغدر ونقض العهد ، فلا بد من إعداد العدة وإعادة لحمة الصف ، وشحذ الهمم للكرة على أعدائنا متى ما سنحت لنا الفرصة ، ولا بد من البحث عن الطريق المناسب للتسلح بأنواع السلاح ، والواجب على أهل الإسلام أن لا يدخروا وسعا في إمداد إخوانهم بالسلاح ، فإن إخوان القردة والخنازير يمدهم إخوانهن من النصارى بالبارجات المليئة بالذخائر ، فكيف يجوز لهم هذا ولا يجوز لنا ؟ إنه الصغار والذلة والهوان ، وقد ربانا أهل غزة على العزة ، فلا نريد أن نعود أذلة مقهورين صاغرين مرة أخرى .
السادس :ــ أن ما جرى في غزة لهو أكبر درس لأهل الإسلام يبين أن الكفار وإن طقطقت بهم المدافع وأنواع الأسلحة الفتاكة القاتلة والمدمرات الحربية وكثرت أعدادهم وتنوعت أساليبهم في الحروب ، فإنهم لا يساوون عند الله تعالى جناح بعوضة ، وأن القلة هي الغالبة مع الإيمان والتقوى ، فإن الإعداد الحقيقي هو إعداد القلوب بالإيمان وعمل الخير ، والتقرب إلى الله تعالى بفعل المأمور وترك المحظور ، وأن النصر لا يكون بكثرة عدد ولا عدة ، وإنما يكون بالإيمان والتقوى ، ألا ترى أن الله تعالى نصر المسلمين في بدر مع قلة العتاد والعدة ، ولكن هُزِموا في أحد ، لوجود المخالفة ، ألا ترى أن الله تعالى نصر المسلمين في يوم الأحزاب مع قلة العدد والعتاد ، ولكن هُزِموا في أول المعركة يوم حنين لوجود المخالفة وهي الإعجاب بالنفس ، وكما قال تعالى " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين "
السابع :ــ لا يجوز لأحد أن يتسلط علينا ويفسد علينا نشوة النصر وفرحة إيقاف الاعتداء عن إخواننا بالكلام التافه الذي لا يعبر إلا عن ضعفه وقلة فهمه وخذلانه لإخوانه ، أو بتتبع الأخطاء التي لا يسلم منها البشر ، أو بقلب الحقائق وتحويل دفة النصر إلى جانب الكفار ، كما نسمعه من بعض الصحفيين والمحليين السياسيين ، فإن كلام الكثير منهم سامج لا أصل له ، ولا معنى له إلا الجهل والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، فاتركونا نفرح بنصرنا وإيقاف الاعتداء الفاجر على إخواننا وعودتهم إلى ديارهم وبيوتهم ، والحمد لله على سلامتهم ونصرهم .
منقووووووووووووووووول.