بسم الله الرحمن الرحيم
لقد مرَّ رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام بمراحل مختلفة ومواقف متعددة، وهذا من حكمة الله عز وجل لتبقى أجيال المسلمين تستلهم من تلك السيرة الكريمة العبر والموعظة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21)، وليس بالضرورة أن تجتمع أو تتشابه المواقف تماماً، إلا أن الكثير من المواقف والأحداث بل والأقوال قد تتكرر وتتشابه إلى حد كبير، مع اختلاف الزمان والمكان وتغير الشخصيات.
ولو تأملنا ما جرى في قطاع غزة من أحداث ثم تأملنا في سيرة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لوجدنا أن صوراً متعددة من صور الصراع بين الحق والباطل قد عادت وتكررت من جديد.
التحريض بكل الوسائل:
دعونا ننطلق بداية إلى مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث بدأ بسط نفوذ المسلمين بالمدينة وتوطد حكمهم، وغاظ هذا الأمر اليهود وشرعوا في التآمر على المسلمين من جديد ، وأخذوا يعدون العدة، لتوجيه ضربة قاضية إلى المسلمين بحيث لا تقوم لهم قائمة بعدها. ولما لم يكونوا يجدون في أنفسهم الجرأة والقدرة على قتال المسلمين مباشرة، خططوا لهذا الغرض خطة رهيبة، فخرج زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة يحرضونهم على غزو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويوالونهم عليه، خرج هذا الوفد إلى غَطَفَان، ثم طاف الوفد في قبائل العرب يدعوهم إلى ذلك، فاستجاب له من استجاب، وهكذا نجح ساسة اليهود في تأليب أحزاب الكفر على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
وبعد أيام تجمع الأحزاب حول المدينة وقاد أبو سفيان أضخم جيش شهدته جزيرة العرب عدده عشرة آلاف مقاتل، جيش ربما يزيد عدده على جميع من في المدينة من النساء والصبيان والشباب والشيوخ.
التمهيد للعدوان:
وكان من تمهيد اليهود للعدوان على المدينة أنهم أفتوا قريش بأن دينهم خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم وأنهم أولى بالحق منه، وفيهم نزل قول الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} (سورة النساء: 51).
أما اليوم فقد تحرك قادة الكيان الصهيوني في كل اتجاه، واتفقوا سراً وجهراً، حتى صرحت وزيرة خارجية العدو تسفي ليفني: "بأننا انتهينا من التمهيد السياسي للهجوم على غزة دولياً وإقليمياً"، في مؤشر واضح لوجود تمهيد إعلامي وغيره، أما إيهود باراك وزير الحرب الصهيوني فصرَّح قائلاً: " إننا كنا نعد لهذا الهجوم منذ أكثر من تسعة أشهر" أي: قبل الحديث عن التهدئة أساساً.
بحثاً عن الهيبة المفقودة:
قريش التي أخلفت موعدها في الخروج إلى بدر الثانية، رأت في هذه الحرب فرصة تاريخية لإنقاذ سمعتها والوفاء بوعدها.
أما الكيان الصهيوني الذي بقي قادته منذ انسحابهم من قطاع غزة يلوحون بالرجوع إليه ومهاجمته واجتياحه، فوجد الفرصة المناسبة لإعادة الهيبة وقوة الردع لجيشه، تلك الهيبة والقدرة اللتان قام عليهما الكيان وتأسس، وفقدهما شيئاً فشيئاً، بداية بالحجر مروراً بالعمليات الاستشهادية، حتى صواريخ المقاومة العابثة بأمنه ومعنويات شعبه، والأيام حبلى وتحمل المزيد من المفاجآت.
الخطة الدفاعية:
لم يكن بمقدور المدينة أن تواجه هذه الأحزاب في معركة مفتوحة، فاتخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطة الدفاع عن كيان المدينة، وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشورى اتفقوا على قرار قدمه الصحابي النبيل سلمان الفارسي رضي الله عنه. قال سلمان: يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خَنْدَقْنَا علينا. وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك.
أما غزة بإمكاناتها المادية المتواضعة وتسليحها اليسير فلا يمكنها أن تواجه هذا الجيش الصهيوني الذي لا تزال الدول العربية تخشى مواجهته، والذي وقف وزير حربه مفتخراً قائلاً: " نحن رابع دولة في العالم في تصدير السلاح"، فكانت فكرة الخنادق التي كانت في الانتفاضة الثانية لتفجير المواقع الصهيونية في القطاع، ثم استعملت في هذه المرحلة لحماية المجاهدين.
إعداد رغم الحصار:
في المدينة يحفر المسلمون وهم يقاسون من شدة الجوع حتى قال أبو طلحة: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع، فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حجرين.
أما في غزة المحاصرة فالكل يعلم ما حل بالناس بسبب هذا الحصار الخانق منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم يكن دولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية ولا إخوانه الوزراء بأحسن حالاً من الناس، فحالهم كحالهم ولربما أسوأ من حيث انقطاع الكهرباء وتوقف الماء ونقص الطعام والدواء، حتى فقدوا الزوجات والأبناء والأحبة بالموت البطيء.
وصدق الله ورسوله:
صورة المدينة وغزة عند رؤية الحشود ليست بعيدة في جانب المؤمنين {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]. بل كان شعار المسلمين: [حم لا ينصرون]، وكان من شعارات أهل غزة: لن نعترف بإسرائيل، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
وأما المنافقون وضعفاء النفوس الذين تزعزعت قلوبهم لرؤية العتاد والحشود: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}[ الأحزاب: 12].
منقول...........يتبع