كان في الحادي عشر من عمرة وفي يوم شديد البرودة. سار الصبي في شوارع المدينة ممسكا بيد شقيقته الصغيرة التي لم تتجاوز الثامنة. وإذا نظرت إليها دلتك ملابسها على ما هم عليه من فقر مدقع. ومع ذلك فقد كانا نظيفين وشكلهما العام يدل على تربية منزلية حسنة. ولما دخلا بيتهما المتواضع في أحد الأزقة. قال صوت لطيف "ها أنت يا ابني شارلي يا ولدي تعال إلى هنا". دخل شارلي واقترب من فراش أمه حيث كانت ثم أكملت حديثها قائلة: "ألم تنجح في الحصول على عمل"؟
"لا يا والدتي اذ لا يرغب أحد في استخدام صبي مثلي. وقد قطعنا أنا واختي دوت شوارع المدينة بحثاً عن عمل لكن بدون جدوى. والنتيجة يجب علينا أن تستعطي ونتسول أو نهلك جوعاَ. لقد ذهبنا من مخزن إلى آخر إلى أن تعبنا. وأخيراً دخلنا كنيسة حيث عقد اجتماع وسمعنا المبشر يقول "ارم خبزك على وجه المياه" فقلت في نفسي انّ الأفضل إعطاء الخبز لأناس فقراء نظيرنا لا أن نرميه على وجه الماء .
فقالت له أمه موضحة له "إنك لم تفهم يا شارلي" وهنا قاطعتها دوت الصغيرة قائلة " ماما ... هل يعني ذلك ان الرغيف إذا رميناه في المياه يعود الينا رغيفا أكبر".
نعم يا عزيزتي . يعني ان الذي نعطيه للرب يرده لنا ثانية مئة ضعف.
أما دوت فلم تقل شيئاً، لكنها كانت تفكر طول مدة بعد الظهر في كل ما سمعت، وفي المساء صنع شارلي فنجانا من الشاي لأمه، وكان آخر ما عندهم. وبعد ان أكل كل منهم قطعة من الخبز، بقي لديهم كسرة صغيرة في الدولاب ولم يكن معهم نقود. وبعد خروج شارلي ذهبت دوت إلى الدولاب وأخذت كسرة الخبز وخرجت وكانت أمها نائمة. ولم تكن دوت تعرف أين تجد المياه فسألت سيداً مارّاً بجانبها "من فضلك سيدي... أين يمكنني ان أجد مياه كثيرة؟" فأجاب "هل تعنين النهر يا عزيزتي؟" قالت دوت "نعم يا سيدي".
لكن ما الذي يستدعي فتاة صغيرة مثلك للذهاب إلى النهر في يوم شديد البرودة مثل هذا اليوم؟ الأفضل ان تذهبي إلى منزلك .
لا يا سيدي يجب علي أن أرمي الخبز في المياه أولاً ثم يعود إلينا أكثر. واستمرت في سيرها.
أما السيد فبدافع حبّ الإستطلاع والفضول تبع الفتاة الصغيرة وسار وراءها على مسافة قصيرة.
وصلت دوت إلى النهر. وكان السيد متخفيا وراء عمود من خشب . ثم أخذت كسرة الخبز وصلّت قائلة "أرجوك يا رب هذا كل ما نملك من الخبز وليس لدينا غيره للفطور. فان كانت المئة القطعة التي ستردها ستطول مدتها، فأرسل شيئا من النقود إلى شارلي ليشتري لنا خبزا. أرسله يا ربّ إلى منزل دوت هورن في حارة توماس. لأجل خاطر يسوع. آمين" ثم رمت كسرة الخبز على المياه.
إذا قلنا أنّ الرجل تأثر تأثراً بالغاً، لما انصفنا عواطفه، فقد مسح الدموع عن عينيه وتبع الصغيرة دوت وهي عائدة إلى المنزل، حيث قابلت دوت شقيقها شارلي وكان يبحث عنها بالقرب من المنزل. وبينما كانت بين ذراعي والدتها، أجابت دوت رداً على استفهام أمها اين كانت وختمت حديثها بقولها " لما رأيت أنه لم يكن في الدولاب إلا قطعة صغيرة من الخبز فكّرت في الذهاب إلى النهر لرميها فيه لكي يرد لنا الربّ بعد برهة مئة ضعف".