منهج في الإنتماء المذهبي - صائب عبد الحميد ص 160
مباينتها لشعر أبي تمام ونفسه ، وطريقته ومذهبه في القريض ، ألا ترى أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه ، لمباينتها لمذهبه في الشعر ، وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئا كثيرا : لما ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه ، ولا من شعره ، وكذلك غيرهما من الشعراء ، ولم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصة ؟
وأنت إذا تأملت ( نهج البلاغة ) وجدته كله ماء واحدا ، ونفسا واحدا ، وأسلوبا واحدا ، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفا لباقي الأبعاض في الماهية ، وكالقرآن العزيز ، أوله كأوسطه ، وأوسطه كآخره ، وكل سورة منه ، وكل آية
مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور ، ولو كان بعض ( نهج البلاغة ) منحولا وبعضه صحيحا ، لم يكن ذلك كذلك ، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلام ( 1 ) .
هذا ، وقد أصدر الشيخ عبد الزهراء الخطيب كتابا مفصلا في تحقيق نصوص نهج البلاغة ، وإحصاء مصادرها ، في أربعة مجلدات - وأسماه : " مصادر نهج البلاغة وأسانيده " وقد استوفى فيه الكثير مما يتعطش له الباحثون .
بعد هذه المقدمة التوثيقية حول ( نهج البلاغة ) وإثبات نسبته إلى الإمام علي عليه السلام فلتكن لنا جولة في ربوعه ، لنقتطف منها ما ذكره الإمام عليه السلام حول حقه في الإمامة . وقد انتخبنا عشر فقرات من كلامه عليه السلام في هذا الكتاب ، ووضعناها في قسمين :
القسم الأول : في معرفة الإمام والخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ومن ذلك :
* ( هامش ) *
( 1 ) شرح نهج البلاغة 10 : 127 - 129 . ( * )
- منهج في الإنتماء المذهبي - صائب عبد الحميد ص 161
1 - قوله - وهو يصف عترة النبي - مخاطبا الناس ( 1 ) : " فأين تذهبون ؟ وأنى تؤفكون ( 2 ) ! والأعلام ( 3 ) قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم ! وكيف تعمهون ( 4 ) وبينكم عترة نبيكم ؟ ! وهم أزمة الحق ، وأعلام
الدين ، وألسنة الصدق ! فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن . وردوهم ورود الهيم العطاش ( 5 ) . أيها الناس ، خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم : إنه يموت من مات منا ، وليس بميت ، ويبلى من بلي منا وليس ببال . فلا تقولوا بما لا
تعرفون ، فإن أكثر الحق في ما تنكرون . . واعذروا من لا حجة لكم عليه ، وهو أنا . . ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر ،
وأترك فيكم الثقل الأصغر ( 6 ) ؟ ! "
وفي شرح ابن أبي الحديد : الثقل الأكبر هو القرآن . وقوله : " أترك فيكم الثقل الأصغر " يعني الحسن والحسين عليهما السلام . - فهل سمعت بكلام أعجب من هذا ، أم بحجة أبلغ ؟